Posted by غريــــــب | | Posted On Friday, October 23, 2009 at 10:16 PM

مــــعــشوقيــــــات

(نظرة أم عفة)




ان اجمل ما يسعد به الانسان في هذه الدنيا هو رضاء الله عليه. فان ظفر برضا ربه فقد فاز فوزا عظيما. و في واقع الامر هناك من يطمح برضاء الناس و تكاد ان تتدمر نفسه اذا لم يحضُ برضائهم. و ان اكثر الناس هلاكا هم من غرقوا في بحور العشق و الهيام. فكل عاشق يستهوي عشق معشوقته الى حد القداسة و يبيع الدنيا و ما فيها طامحا برضاء من يعشق. فالعاشق مبتلي و ابتلاءه أليم, فما السبب الذي يدفع العاشق الى ما يعصف وجادنه من هولٍ فضيع؟

اعجبني تحليل ابن القيم في تحليله لمناظرة العين و القلب حينما يقول القلب للعين: انت التي سُقتني الى موارد الهلكات, و اوقعتني في الحسرات بمتابعتك اللحظات, و طلبت الشفاء من الحدق. فاظيف انا رد العين للقلب فتقول: انت الذي صررت على دفعي لمدوامة النظر حتى تشفي سقمك و ما هو الا سمٌ يزيدك مرضا.

فهذه هي بلية العاشق فأول ما يقوده الى تيار الحب هي تلك النظرة التي ربما تهوي بصاحبه الى جرفٌ لا نجاة بعده. و قال الله تعالى ( قل للمؤنين ان يغضوا من ابصارهم و يحفظون فروجهم.... و قل للمؤنات يغضنن من ابصارهم و يحفظن فروجهم) الى آخر الآية. فمن قَدِر على غض بصره فقد نجى من ذلك الهلاك, و من لم يصبر فاتبع هواه, فما عليه الا ان يستعفف في حبه ولا تقوده نفسه الا ما حرَم الله. فالحلال يعرف طريقه الصالحون.

العين و ما ادراك ما العين فهي المنفذ الاول و الحاسة الاولى من حواسنا التي تقودنا الى ابواب الشهوات. فللعين فلسفة خبيثة اذا رغبت بالحرام, و دافع هذه الفلسفة هو القلب. فالعين اذا رأت تطمح بالاستمرار بالرأوية لفترة محدودة و لا تجرأ على فعل اكبر من النظر, الي حين ان يأتي مؤلف الفلسفة الخبيثة ليدفع العين لنظرة اقرب. فان استمرت تلك النظرة يبدأ القلب بالاتصال بالحاسة الثانية الا و هي اللسان ليعبر اعجابه بمن يرى فيكلم ما هوت العين. و هكذا يبدأ القلب يستدرج الحواس الخمس ليأخذ كل منهم نصيبه من لذة النظر و الكلام و السمع و وبقيتهم داخل محتوى محظور شرعا. فيكاد الشيطان يرفع رايات النصر لانه هوى بعبد الله الى حفر الحرام. كفانا الله شر الفتن.

و قال عليه الصلاة و السلام: (النظرةُ الى المرأة سهمٌ مسموم من سهام ابليس, فمن تركه خوف الله عزَ وجل أثابه الله ايماناً يجد حلاوته في قلبه). أعاننا الله على غضِ ابصارنا. فعلا فأن النظرة هي بمثابة السم الذي اذا تخلل القلب بث سمه في اوردة الجسد الى ان يسقم الجسد و يهلك. فهذا النوع من الهلاك لا يزيد المرء الا بعدا عن الله و لا يجد حوله من يسعفه في سقمه.

وفي قصة من قصص التاريخ التي تتغنى مفاهيمها بمعاني العفة و الصبر على ما ابتلوا به, و يتلو علينا الاصمعي تلك الحادثة.

قال الاصمعي: قيل لأعرابي: وقد زوًجت عشيقته من ابن عمًها و اهلها على اهدائه اليه: أيسرك أن تظفر بها الليلة؟ قال: نعم و الذي أمتعني بها و أشقاني بطلبها, قيل: فما كنت صانعا؟ قال: كنت اطيع الحب في لثمها, و اعصي الشيطان في اثمها, و لا افسد عشق عشر سنين بما يبقى عارهُ, و تنشر بالقبيح اخبارهُ, في ساعة تنفذ لذتها و تبقى تبعَتُها, اني اذا للئيم, لم يغذني أصلٌ كريم.

فالحب و الهوى ليس بحرام, و لكن سياق مفهومه بما حرم الله يصبح حراما. فهذا الاعرابي قد دفن هذا الحب في جروح قلبه و لم يتجرأ ويفعل ما يتجرأ به الفاسدون من العشاق من غزلٍ و لمَمَ, هداهم الله. و لكنه خشي ان يلحق نفسه و نفسها العار و فضل ان يكون حبه طاهرا الى ان يفرج الله كربه.

واختم مقالي في بيتين كان سفيان الثوري كثيرا ما يتمثل بهما:

تفنى اللذاذةُ ممن نال صفوتها *** من الحرام و يبقى الوِزرُ و العارُ

تبقى عواقب سوءٍ في مغبتها *** لا خير في لذةٍ من بعدها النــــــار

Comments:

There are 6 comments for

Post a Comment